تأجيل محاكمة مارادونا- قاضٍ جديد وفضيحة تزيد التعقيد
أعلنت السلطات القضائية الأرجنتينية، في يوم مشهود، الخميس الفائت، عن الشروع في إجراءات دقيقة لاختيار قاضٍ جديد ذي كفاءة عالية، لينضم إلى هيئة المحكمة الموقرة المنوط بها مسؤولية محاكمة ملابسات وفاة أسطورة كرة القدم الخالدة، دييغو أرماندو مارادونا، وذلك إثر الاستقالة المؤسفة للقاضي أليخاندرو لاجو، الذي اعتذر عن إكمال المهمة لأسباب صحية قاهرة.
يأتي هذا القرار الهام في أعقاب إعلان رسمي بإبطال المحاكمة الأولية التي كان من المزمع عقدها في مايو من عام 2025، وذلك على خلفية فضيحة مؤسفة تورطت فيها القاضية خولييتا ماكينتاش، مما أثار موجة من التكهنات المحيطة باختيار المحكمة العليا الموقرة في مقاطعة بوينس آيرس للقاضي الجديد عبر عملية القرعة العادلة، مع ترجيحات قوية بتأجيل المحاكمة الجديدة المرتقبة إلى عام 2026، وذلك بسبب ازدحام الجدول القضائي بالأعمال المتراكمة، بالإضافة إلى التكتيكات التي يتبعها محامو الدفاع، والذين يسعون جاهدين إلى تأخير الإجراءات.
تجدر الإشارة إلى أن محاكمة سبعة من أعضاء الفريق الطبي الذي كان يتولى رعاية مارادونا قد بدأت بالفعل في الحادي عشر من مارس الماضي، حيث يواجهون اتهامات بالغة الخطورة تتعلق بالقتل غير العمد الناتج عن الإهمال الجسيم في رعايته الصحية، وهو الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى وفاته المأساوية في الخامس والعشرين من نوفمبر عام 2020، عن عمر يناهز الستين عامًا، إثر تعرضه لنوبة قلبية حادة أثناء فترة تعافيه من جراحة دقيقة لإزالة جلطة دماغية.
توقفت مجريات المحاكمة بعد مضي شهرين فقط، وذلك عندما أعلنت القاضية خولييتا ماكينتاش تنحيها عن القضية في السابع والعشرين من مايو الماضي، وذلك بعد توجيه اتهامات رسمية إليها بانتهاك صارخ للأخلاقيات القضائية، بسبب مشاركتها الفعالة في تصوير فيلم وثائقي يتناول القضية بعنوان «العدالة الإلهية»، وقد أدت هذه الفضيحة المدوية إلى إبطال المحاكمة بالكامل وإلغاء كافة الشهادات التي تم تقديمها، بما في ذلك الشهادات الهامة التي أدلى بها أفراد عائلة مارادونا المقربين، بالإضافة إلى شهادات أكثر من أربعين شاهدًا آخر.
وفي شهر يونيو المنصرم، تم تعيين ثلاثة قضاة جدد من ذوي الكفاءة العالية، وهم روبرتو غايغ، وأليخاندرو لاجو، وألبرتو أورتولاني، لتولي مسؤولية القضية المعقدة، إلا أن لاجو، الذي كان يعاني من مشاكل صحية مزمنة أثرت على قدرته على القيام بمهامه، قد أعلن تنحيه عن القضية قبل أيام قليلة، مما دفع السلطات القضائية المعنية إلى فتح باب الإجراءات لاختيار بديل مناسب في أسرع وقت ممكن.
تتهم الدعوى القضائية المرفوعة الفريق الطبي المعني، بمن فيهم الجراح العصبي ليوبولدو لوكي والطبيبة النفسية أوغستينا كوساتشوف، بتقديم رعاية طبية "متهورة وغير كافية" خلال فترة نقاهة مارادونا في منزله، وهو ما وصفه المدعون بعبارات قاسية بأنه "مسرح الرعب"، ويواجه المتهمون عقوبات محتملة قاسية تتراوح بين ثمانية أعوام وخمسة وعشرين عامًا في حالة ثبوت الإدانة، بينما ينفي الفريق الطبي هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً، مدعين أن مارادونا كان مريضًا صعب المراس ورفض الخضوع للعلاج الإضافي اللازم.
لا شك أن دييغو مارادونا، يعد أحد أعظم لاعبي كرة القدم في تاريخ اللعبة، حيث قاد منتخب الأرجنتين الوطني للفوز بكأس العالم عام 1986، وسجل أهدافاً أسطورية لا تزال محفورة في الذاكرة، بما في ذلك الهدف الشهير بـ "يد الله" ضد منتخب إنجلترا، وقد توفي في نوفمبر من عام 2020 أثناء فترة تعافيه من جراحة دماغية في منزل مستأجر في ضواحي بوينس آيرس، وسط ظروف مؤسفة وصفتها التحقيقات بأنها "كارثية" بكل المقاييس.
أثارت وفاته موجة عارمة من الحزن العميق في الأرجنتين وإيطاليا على حد سواء، حيث قاد نادي نابولي الإيطالي لتحقيق نجاحات غير مسبوقة في حقبة الثمانينات الذهبية، وتتهم عائلته المكلومة، بمن فيهم ابنتاه دالما وجيانينا، الفريق الطبي بالإهمال الشديد وترك مارادونا في ظروف "مظلمة ووحيدة" دون مراقبة طبية كافية، بينما أشارت تقارير طبية موثوقة إلى أنه عانى لمدة اثنتي عشرة ساعة كاملة قبل وفاته دون تلقي العلاج المناسب والضروري لإنقاذ حياته.
تسببت فضيحة ماكينتاش في إحراج بالغ للنظام القضائي الأرجنتيني، حيث وصفت وسائل الإعلام المحلية المرموقة الحادث بـ "المأساة القضائية" بكل ما تحمله الكلمة من معنى، كما أن تنحي القاضي لاجو يزيد من تعقيد القضية الشائكة، التي استحوذت على اهتمام عشاق كرة القدم في جميع أنحاء العالم، مع توقعات واسعة النطاق بتأخير المحاكمة الجديدة بسبب الجداول القضائية المزدحمة والتعقيدات الهائلة التي تكتنف القضية، والتي تشمل أكثر من مائة وتسعين شاهدًا، ومائة وعشرين ألف رسالة وتسجيل صوتي كأدلة دامغة.